الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

( الرئيس الروسي بوتين .. وخطيئة التولي يوم الزحف)

سلاح الطيران الروسي هل يغادر أرض المعركة السورية
 
 
د/ احمد بن حامد الغامدي
ينقل عن الرئيس الامريكي الحكيم إبراهام لينكولن قوله (لا تغير الاحصنة أثناء المعركة) لأنه ليس من الحكمة إجراء تعديلات جوهرية في منتصف الاحداث الحاسمة ولهذا يقال أيضا (إن تغيير الخيول أثناء المعركة يمثل نصف الهزيمة) وهذا من شانه ولا شك جعل سحب الخيول بالكامل من المعركة هزيمة تامة. إن ما قام به القيصر الروسي فلاديمير بوتين من سحب القوات الروسية المقاتلة عن أرض الشام يعتبر بمفهوم العسكري هزيمة مكتملة الاركان للنظام السوري على الاقل.
وإذا كان قديما تفاخر الشاعر الجاهلي علقمة الفحل بأنه بصير وطبيب بأحوال النساء (إن تسألوني بالنساء ...) فعلى نفس المنوال لا يسأل عن أحوال الحرب غير نابليون بونبارت الذي قال (الحرب تحتاج إلى ثلاثة أشياء: المال والمال والمال) وقريبا منه قول القائد السياسي الانجليزي المحنك ونستون تشرشل (عصب الحرب هو المال). ولهذا منذ اللحظات الاولى لورود أخبار مغامرة الدب الروسي بوتين ونشر قواته العسكرية في أرض الشام كنت اتسأل بتعجب (من سوف يدفع فاتورة المجهود الحربي الروسي الغاشم). وهذا بالضبط ما جعل العديد من المحللين السياسيين والعسكريين يراهنون أن التدخل الروسي في سوريا مؤقت بسبب تكلفته المالية الثقيلة على الاقتصاد الروسي المتضعضع. لحظة سقوط الامبراطورية السوفيتية عام 1989 كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر الثلاثينات من عمره وفي بداية صعوده الصاروخي للمناصب السيادية في بلدة ولا شك أنه شعر بمرارة الذل والمهانة نتيجة لسقوط أمته القومية بسبب دفعها لفاتورة مالية فادحة جراء هزيمتها النكراء في المستنقع الافغاني. ومن المحتمل أن بوتين قد تفهم نظرية المؤرخ الامريكي بول كيندي التي طرحها في كتابه الشهير (صعود وسقوط القوى العظمى) الذي يجادل فيه أن أحد الاسباب الرئيسية لسقوط الدول والإمبراطوريات الكبرى هو تمددها وانتشارها العسكري المفرط الذي يسبب استنزاف قاتل لاقتصاد تلك الدول مما يعجل بكساد انتاجها التنموي ومن ثم انهيارها الاقتصادي والسياسي وهو ما حصل بحذافيره في أواخر حكم سيء المصير غورباتشوف.
الهروب المفاجئ والانسحاب المخزي للقوات الروسية من سوريا البطولة قد يكون أمر قضي بليل وقد لا يكون لكنه بجميع المقاييس تكتيك عسكري كارثي على النظام النصيري المستأسد وحلفاءه لأنه جاء في وقت حرج جدا لبشار الاسد الذي حتما  سيفقد أوراق الضغط الرابحة كانت في جعبته في اثناء مسلسل المفاوضات السياسية مع المعارضة المسلحة. ولهذا أعتقد أن بشار الاسد الأن يصف القيصر الروسي بوتين بالخيانة لجبهة الصمود والتصدي ضد الامبريالية العالمية وكأن لسان حال بشار يتهم الرفيق فلاديمير بوتين بأنه أرتكب خطيئة (التولي يوم الزحف).  كما هو معلوم في الشريعة الاسلامية تعد كبيرة التولي يوم الزحف من (السبع الموبقات) ومن كبائر الذنوب نتيجة ما يتسبب فيه انشقاق فئة من الجيش أو حتى من بعض أفراده في بث روح الهزيمة والتخاذل في بقية وحدات الجيش مما قد يكون بداية حصول الهزيمة العسكرية والوهن السياسي. ولا شك أن هذا هو شعور طواقم شبيحة نظام الاسد مما يعني بداية النهاية الحقيقية للمأساة التاريخية لأهلنا في الشام.
المتتبع للإعلام الروسي والتغطية الصحفية للمحللين السياسيين الذين يدورون في فلكه يشعر أنهم يحرثون البحر ليحاولوا أن يقنعونا أن ما قام به الروس هو انتصار سياسي (هكذا زعموا!!!) أو على الاقل انسحاب عسكري تكتيكي. وبالعودة لخبيرنا ومستشارنا العسكري نابليون بونبارت فيمكننا أن نتقبل حكمته وحنكته العسكرية القائلة (لا تتدخل عندما يقع عدوك في خطأ) فلا شك أن انسحاب الدب الروس من سوريا هو (خطأ) عسكري (كما يشعر به طاغية الشام) ولهذا لن نثرب على هروب الروس بل بالعكس نحييهم على ارتكاب مثل هذه الاخطاء العسكرية. في كتب التاريخ كثيرا ما تواجهنا عبارة أن بعض المعارك الحربية غيرت مجرى التاريخ وعلى نفس الدرجة كثيرا ما نجد أن (أخطاء تكتيكية عسكرية) غيرت مجرى ومسار حروب ومعارك حاسمة في تاريخ البشرية ولعل الخطأ الروسي من هذا النوع.
لن نناقش الاخطاء التكتيكية العسكرية الكبرى والكارثية مثل تهور هتلر بفتح جبهة قتال جديدة في شرق أوروبا عندما غزا روسيا وهو ما تسبب فعليا لخسارته الحرب بأكملها وهو نفس مصير نابليون عام 1812 عندما بدأ مشوار النهاية العسكرية بعد أن هزمه الجنرال (ثلج) في روسيا المقبرة الجليدية للغزاة. وإنما سوف نستعرض أثر بعض الاخطاء التكتيكية التي قد لا يلتفت لها (مثل انسحاب الروس المفاجئ من سوريا) وكيف يمكن أن يغير هذا الخطأ التكتيكي التاريخ فمثلا في نهاية القرن التاسع عشر تعرض الجيش البريطاني لهزيمة ساحقة ومذلة أمام مقاتلي شعب الزولو في جنوب أفريقيا بسبب أن عدد كبير من صناديق ذخيرة السلاح كانت معبأة بالخطأ بالبسكويت بدل الرصاص وكان خطأ سابق أو خطيئة أخرى للإنجليز في التعامل مع الاسلحة قد تسببت قبل ذلك بعقود لكارثة كبرى لإنجلترا في اقليم الهند فيما عرف بثورة الهند وذلك بسبب عنجهية القادة العسكريين الانجليز الذين كانوا يجبرون الجنود المسلمين والهندوس بتنظيف البنادق بشحم الخنزير وشحم البقر مما (شحن) شعوب الهند بالبغض الصارخ للمستعمر الوقح.
 ومن الأمور الشائعة والمتكررة في الاخطاء التكتيكية في الحروب سوء اختيار موقع المعركة فمن بشائر نصر الله للمسلمين في غزوة بدر وفي معركة حطين أن المسلمين كانوا بالقرب من مواقع الابار في بدر وبحيرة طبريا في حطين بينما كان نصيب عدوهم أن يخيم في أرض قاحلة ويعاني العطش المهلك. وفي المقابل ذاق المسلمون طعم الهزيمة المر بسبب أن مواقع القتال لم يكن في صالحهم كما حصل في غزوة حنين حيث حشر المسلمون في وادي ضيق وبعد أن تعرض جيش الخلافة الاموية لهزيمة مؤلمة في فرنسا في معركة بلاط الشهداء كاد التاريخ الاسلامي يخسر الاندلس في وقت مبكر عندما أندفع شارلمان لغزو الاندلس ولكن الله سلم حيث تمكن المسلمون وحلفائهم من الفرنج في القضاء على جيشه عندما اضطر هو الاخر للمرور عبر ممر ضيق وهنا سطر التاريخ معركة باب الشزري والتي ما زال الاوروبيون يذكرونها حتى الان باسم (أنشودة رولان). وقطعا لا يوجد في كتب التاريخ قصة توضح أهمية اختيار ارض المعركة من خبر معركة ترومبيل في القرن الخامس قبل الميلاد حيث يقال أن حوالي 300 مقاتل إغريقي تسببوا في تأخير زحف جيش الفرس العرمرم الذي زاد عن مائة ألف مقاتل لأن فرسان اسبارطة حموا بشكل بطولي مدخل ممر صخري يقود إلى الاراضي اليونانية.
وختاما كما كان هروب الروس المعتدين من أرض الشام حدث سايسي/عسكري غير متوقع فإن دخولهم في الاساس لم يكن متوقعاً أصلا فما الذي جاء بالشيوعيين الحمر من أقصى الارض إلى أرض المحشر إلا قدر الله العزيز الحيكم الذي كتب أن تكون أرض الشام ممر ومقبرة للغزاة من كل جنس ولون على اختلاف الدهور والازمان من الفراعنة إلى الفرس والمقدونيين والرومان والصلبيين والتتار والانجليز والفرنسيين والصهاينة وها هي أخيرا وليس آخرا جحافل الشيوعيين الروس تنزل بالأعماق. يشتهر عن أرض الشام بأنها أرض الفتن والملاحم والمعارك الكبرى ويبدو أن هذا هو قدرها في الماضي والحاضر والمستقبل على حدا سواء. وأي شخص أو باحث يستقرأ تاريخ المعارك الكبرى في تاريخ البشرية لن يجد بقعة على وجه الارض شهدت كم هائل من كبريات الحروب التاريخية والمعارك الحربية كما حصل على أرض الشام  ابتداءً من معركة قادش بين الفرعون رمسيس الثاني وملك الحثيين ومعارك بني اسرائيل (يوشع بن نون ومن ثم نبي الله داود) ضد الكنعانيين ومرورا بغزو الملك البابلي نبوخذ نصر وتخريبه لمدينة أورشليم وسبيه لليهود. ومن ثم معارك الفتح الاسلامي لأرض الشام من معركة مؤته إلى معركة اليرموك وأجنادين وفتح بيت المقدس ولاحقا سطر المسلمون أمجاد البطولة على أرض الشام في معركة حطين ومعركة عين جالوت كما دحروا الصليبيين وأعادوا فتح بيت المقدس وايضا على أرض الشام تغير التاريخ الاسلامي ببروز الدولة العثمانية بعد انتصارهم على المماليك في معركة مرج دابق بالقرب من حلب.
هذا ما كان من سرد أبرز الملاحم والمعارك التي شهدتها أرض الشام قديما أما في التاريخ الحديث والمعاصر فقد ابتلي أهل الاسلام بعودة الصليبيين الجدد ممثلين في الاستعمار الاوروبي وويلاته من مثل  قصف الفرنسيين لمدن الشام ودخول الجنرال الفرنسي غورو لدمشق (ووقوفه على قبر صلاح الدين وقوله: ها قد عدنا يا صلاح الدين) كما سبقه بعدة سنوات واقعة دخول الجنرال الانجليزي اللنبي لمدينة القدس وبعد ذلك بعقود دخل الجنرال العسكري الصهيوني موشي ديان القدس الشرقية بينما احتل بعد سلفه مجرم الحرب شارون جنوب لبنان. وجيلنا المعاصر نشأ على المصائب والمآسي لأهلنا في الشام في مذبحة حماة وحلب  وتدمر على يد الجيش النصيري الاسدي في السبعينات فذاك الشبل بشار من ذاك الاسد الدامي. مما سبق يتضح لنا سبب تسمية أرض الشام بأرض الرباط ولكنها كذلك تسمى أرض الملاحم الكبرى في مستقبل الزمان والتي هي من علامات وأمارات الساعة ففي هذه الارض المباركة كما هو معلوم سوف تقع المعركة الفاصلة مع اليهود ونحن على شرقي نهر الأردن كما سوف تشهد أرض الشام معركتنا الاخيرة مع النصارى الذين ينزلون في الأعماق أو موقع دابق (أو في سهل مجيدو كما هي النبوءة المسيحة عن معركة نهاية العالم: هرمجدون) حيث نقاتل النصارى الذين يأتوننا في ثمانين غاية تحت كل غاية أثنا عشر ألفا. أما الملحمة الاخيرة على أرض الشام فهي المعركة النهائية بين الخير والشر عندما يقتل المسيح عليه السلام المسيح الدجال عند باب لد الشرقي في مدينة بيت المقدس.
وبالعودة إلى واقعنا المعاصر في سوريا فربما يبدو حاليا بالغ التعقيد بسبب كثرة الاطراف المتداخلة ومع ذلك كما يقول الجنرال الصيني سون وو في الكتاب ذائع الصيت (فن الحرب): في وسط الفوضى توجد ايضا الفرصة وبالإذن من الرئيس الامريكي الراحل نيكسون سوف استعير عنوان كتابه التاريخي الذي نشره بعد سقوط الامبراطورية الروسية (الفرصة السانحة) والذي يعرب بعنوان (انتهزوا الفرصة) فكذلك نقول لأهلنا في الشام انتهزوا الفرصة: قبل حوالي ثلاثين سنة أي في عام 1988 انسحبت ارتال الدبابات الروسية من افغانستان وكان ثمر ذلك مباشرة استقلال الجمهوريات الاسلامية في وسط أسيا واليوم بمشيئة الله بعد هروب اسراب الطائرات الروسية من سوريا سوف يكون ذلك تمكين للإسلام وأهله في الارض المباركة (أرض المحشر والمنشر) وما حولها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق