الشاعر الحزين أحمد شوقي كم رثى مدينة دمشق في قصائده
د. أحمد بن حامد الغامدي
(التاريخ يعيد نفسه)
عبارة كثيرة التردد من مستلات قاموسنا اللغوي عند الحديث عن أحوالنا الكئيبة
والمتكررة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبحكم أن (العرب ظاهرة
صوتية) كما قال بعضهم وكذلك منذ أن قال البعض الآخر من رواد السلبية عندما سرقت
أبله (أوسعتهم شتماً .. وساروا بالأبل) لهذا كثيرا ما تجد ردود أفعالنا (الشجب
والاستنكار) وأيضا (وهنا الشاهد) تدبيج القصائد. جال هذا الفكر ببالي خلال الفترة
الماضية عندما تم نشر عدد كبير من القصائد (المشكورة والمأجورة أن شاء الله)
المعبرة لحالة التماهي والمؤازرة لإخوتنا المنكوبين في مأساة مدينة حلب الاخيرة
ولكن كما سوف نعرف بعد قليل أن (شر سلاح المرء دمع يريقه) لذلك لماذا نكتفي من
النصرة لهم بالتوجع والتفجع. الغريب في الأمر أن أرض الشام منذ الازل كتب الله
سبحانه وتعالي ببالغ حكمته أن تكون (أرض الرباط وأرض الملاحم والفتن) ولهذا عبر
التاريخ الاسلامي على الاقل تعرضت أرض الشام لويلات حروب الصليبيين وهمجية غزو
التتار وقمع جحافل جيش الاستعباد (وليس الاستعمار) الاوروبي. ونتج من هذه الحروب
المتوالية كوارث ومجازر رهيبة ألهمت المئات من الشعراء (لتدبيج القصائد) في تصوير
نكبة الاسلام والمسلمين ومن يراجع دواوين الشعر العربي قديما وحديثا سوف يقع على
العشرات القصائد (من عيون الشعر العربي الباكية) التي تشكل ما يمكن تسميته (شعر
رثاء البلدان والمدن).
كثيرٌ ما كان (التاريخ
يعيد نفسه) على أرض الشام نتيجة الموجات المتتالية من الغزاة والمعتدين ولهذا لا
عجب أن نجد أن (الشعر يعيد نفسه) ايضا من قبل الشعراء الذين كانوا ينوحون على
مصائب الامة الكبرى. الغريب أنه عندما غزا الصليبيين بلاد الشام وسقطت القدس
بأيديهم لم تحفظ دواوين الشعر قصائد الشعراء العرب الاقحاح في رثاء أرض الشام
والقدس وإنما خُلدت قصيدة الشاعر المسلم الخرساني ابو المظفر الابيوردي الذي ناح
على مصيبة أهل الشام في نهاية القرن الخامس الهجري بشعره الصادق والذي كأنه ينطبق
على حال أهل الشام الآن:
وَشَرُّ سِلاحِ المَرْءِ دَمْعٌ يُفيِضُهُ
|
إذَا الحَرْبُ شُبَّت نارُها بِالصَّوارِمِ
|
وكيفَ تنامُ العينُ ملءَ جفونها
|
على هَفَواتٍ أَيْقَظَتْ كُلَّ نائِمِ
|
وإخوانكمْ بالشَّامِ يُضحي مقيلهمْ
|
ظهورَ المذاكي أوْ بطونَ القشاعمِ
|
تَسُومُهُمُ الرُّومُ الهَوانَ وَأَنْتُمُ
|
تجرُّونَ ذيلَ الخفضِ فعلَ المسالمِ
|
أرى أمَّتي لا يُشرعونَ إلى العدا
|
رِماحَهُمُ، وَالدِّينَ واهِي الدَّعائِمِ
|
أترضى صناديدُ الأعاريبِ بالأذى
|
ويُغضي على ذلٍّ كماة ُ الأعاجمِ
|
فليتهمُ إذْ لمْ يذودوا حميَّة ً
|
عنِ الدِّينِ ضنُّوا غيرة ً بالمحارمِ
|
وبعد منتصف القرن السابع
الهجري غزت جحافل المغول مدن الشام التي تساقطت الواحدة بعد الاخرى في قبضة الهلاك
والدمار وهنا أنبرى عدد من الشعراء لرثاء مدينة حلب مثل كمال الدين بن العديم
ورثاء مدينة دمشق مثل علاء الدين الأوتاري الذي قال:
أحسن
الله يا دمشق عزاك في
مغانيك يا عماد البلاد
طرقتهم حوادث الدهر بالقتل ونهب الأموال والأولاد
وبناتٍ محجباتٍ عن الشمس تناءت بهن أيدي الأعادي
وقصورٌ مشيداتٌ تقضت في ذراها الأيام كالأعياد
حرقوها وخربوها وبادت بقضاء الإله رب العباد
أصبحوا اليوم مثل أمس تقضى وبكتهم سماؤهم والغوادي
يا ترى هل لكربنا من مجيرٍ أم لتشديد أسرنا من مفادي
ثالثة الاثافي في نكبات القطر السوري عبر التاريخ (بعد غزو الصليبيين والتتار) كانت وقوع الاراضي السورية تحت نير الاحتلال الفرنسي والذي تعزز بعد هزيمة جيش الثورة العربية بقيادة يوسف العظمة عام 1920 أمام الجيش الفرنسي في معركة ميسلون. وهنا أنبرى الاديب والمؤرخ السوري الكبير خير الدين الزركلي لتخليد هذه الفاجعة التي جف لها نهر بردى واهتز جرائها جبل قاسيون في دمشق:
طرقتهم حوادث الدهر بالقتل ونهب الأموال والأولاد
وبناتٍ محجباتٍ عن الشمس تناءت بهن أيدي الأعادي
وقصورٌ مشيداتٌ تقضت في ذراها الأيام كالأعياد
حرقوها وخربوها وبادت بقضاء الإله رب العباد
أصبحوا اليوم مثل أمس تقضى وبكتهم سماؤهم والغوادي
يا ترى هل لكربنا من مجيرٍ أم لتشديد أسرنا من مفادي
ثالثة الاثافي في نكبات القطر السوري عبر التاريخ (بعد غزو الصليبيين والتتار) كانت وقوع الاراضي السورية تحت نير الاحتلال الفرنسي والذي تعزز بعد هزيمة جيش الثورة العربية بقيادة يوسف العظمة عام 1920 أمام الجيش الفرنسي في معركة ميسلون. وهنا أنبرى الاديب والمؤرخ السوري الكبير خير الدين الزركلي لتخليد هذه الفاجعة التي جف لها نهر بردى واهتز جرائها جبل قاسيون في دمشق:
الله للحِدثاْنِ كيفَ
تكيــدُ بردى
يغيضُ وقاسيونُ يميدُ
هل
في الشام وأهلهِ من نابِسٍ
والنائباتُ لها عليهِ وُفودُ
ما في دمشقَ لناهِضٍ من
عِزةٍ وبها
سُرادقُ غاصبٍ ممدودُ
بلدٌ تبوَّأه الشّقاء فكلــَّما قدُمَ استقامَ له به تجديدُ
لانت عريكةُ قاطنيه وما درَوْا أنّ الضَّعيفَ معذّبٌ منكودُ
لمسوا حِبال حقوقهم وتعلقوا والحقُ يُعوزُهُ قَناً وبُنودُ
بلدٌ تبوَّأه الشّقاء فكلــَّما قدُمَ استقامَ له به تجديدُ
لانت عريكةُ قاطنيه وما درَوْا أنّ الضَّعيفَ معذّبٌ منكودُ
لمسوا حِبال حقوقهم وتعلقوا والحقُ يُعوزُهُ قَناً وبُنودُ
شكلت هزيمة معركة ميسلون دخول
الجيش الفرنسي للقطر السوري أما احتلالهم الفعلي لمدينة دمشق فتم بهجوم همجي وقصف
شنيع واحراق للمدينة التي سقطت عام 1925 وهنا نجد أمير الشعراء أحمد شوقي يسطر
واحدة من أجمل قصائد (رثاء المدن) على الاطلاق وهي قصيدة (نكبة دمشق) وهي التي ما
زالت سارية المفعول في توصيف كارثة دمشق والشام اليوم:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
|
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
|
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ
|
أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
|
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا
|
أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ
|
إِذا ما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ
|
يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
|
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا
|
وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ
|
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا
|
وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
|
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
|
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
|
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ
|
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
|
والجدير بالذكر ان أحمد شوقي (ُشغل) بمدينة دمشق
كما لم يشغل بمدينة أخرى فكم من قصيدة قالها في مدينة دمشق ونكباتها وناداها بأكثر
من اسم مثل جلق والفيحاء والشماء:
قم
ناج جلق وانشد رسم من بانوا مشت على
الرسم أحداث وأزمان
بالأمس قمت على الزهراء أندبها واليوم دمعي على الفيحاء هتان
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان
بالأمس قمت على الزهراء أندبها واليوم دمعي على الفيحاء هتان
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان
ومن
سخرية القدر أنه بعد سنوات ليس بالطويلة من تدمير الجيش الفرنسي لعاصمة سوريا وقعت
الأمة الفرنسية في بداية الحرب العالمية الثانية في هزيمة منكرة أمام جحافل الجيش
النازي الالماني الذي أحتل باريس وهنا نجد أن الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل
يتشفى ويسخر من الفرنسيين والرئيس الفرنسي الهارب ديغول ويكتب قصيدة معبرة حملت
عنوان (إني لأشمت بالجبار):
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا
|
رقّ الحديد و ما رقّوا لبلوانا
|
خلّ العتاب دموعا لا غناء بها
|
و عاتب القوم أشلاء و نيرانا
|
آمنت بالحقد يذكي من عزائمنا
|
و أبعد الله إشفاقا و تحنانا
|
ثارات يعرب ظمأى في مراقدها
|
تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
|
سمعت باريس تشكو زهو فاتحها
|
هلاّ تذكّرت يا باريس شكوانا
|
عشرين عاما شربنا الكأس مترعة
|
من الأذى فتملّي صرفها الآنا
|
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا
|
على الأرائك خدّاما و أعوانا
|
وبعد
أن تحطمت العنجهية الفرنسية نتيجة مهانتها المريرة أثناء الحرب العالمية الثانية لذا لا عجب أن
سرعان ما نالت أرض الشام المباركة استقلالها من كابوس الاحتلال الاستعماري فيما عرف بالجلاء الفرنسي من سوريا
عام 1946 وهنا قام الشاعر السوري الفحل عمر ابو ريشة بسبك قصيدته التاريخية (عروس
المجد):
يا عروس المجد تيهي واسحبي
|
فـي مـغانينا ذيـول الـشهب
|
لا يـموت الـحق مهما لطمت
|
عـارضيه قـبضة المغتصب
|
سـكرت أجـيالنا فـي زهوها
|
وغـفت عـن كـيد دهر قلّب
|
وصـحـونا فــإذا أعـناقنا
|
مـثـقلات بـقيود الأجـنبي
|
قـد عـرفنا مـهرك الغالي فلم
|
نـرخص الـمهر ولم نحتسب
|
وأرقـنـاها دمــاء حــرة
|
فاغرفي ما شئت منها واشربي
|
شرف الوثبة أن ترضي العلى
|
غـلب الـواثبُ أم لـم يغلب
|
وللأسف
فإن أفراح واعراس السوريين بعيد الجلاء لم تستمر لفترة طويلة حتى صدم الشعب السوري
والعربي بأكمله بنكسة هزيمة 67 أمام جيش الاحتلال الصهيوني الذي أحتل القنيطرة
والجولان وغيرها من الاراضي العربية وهنا لعلنا نذكر اشهر قصيدة على الاطلاق للشاعر اليمني الفريد عبدالله البردوني
الذي كشف خواء الجيوش العربية عندما أعلنها صريحة:
مـا أصدق السيف إن لم ينضه الكذب
|
وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب
|
وأقـبح الـنصر نصر الأقوياء
بلا
|
فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
|
الـيوم عـادت عـلوج الروم
فاتحة
|
ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب
|
فـأطفأت شـهب الـميراج أنـجمنا
|
وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطب
|
وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة
|
أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا
|
حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى
اقتحموا
|
وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا
|
الـحاكمون وواشـنطن حـكومتهم
|
والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا
|
وختاما
كان من المفترض أن نذكر بعض الابيات والقصائد المشهورة عن دمشق لكبار الشعراء
المعاصرين مثل نزار قباني ومحمد مهدي الجواهري ولكنني تعمدت أن اهمل ذكرهما لأن
كلا منهما قد تورط في مدح سفاح سوريا الاكبر حافظ الاسد ولهذا لا يسعني إلا أن
أعجب لماذا (يتذاكى) نزار قباني ويستغرب من عتب دمشق عليه في قصيدته (من مفكرة
عاشق دمشقي) التي أولها:
فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا
|
فيا دمشـقُ... لماذا نبـدأ العتبـا؟
|
يا سـائلي عن بلادِ الشامِ خُذْ خبراً
ردحذفمنّي وَضَع للذي أُعطيكَ عنواناً
إنّ العيونَ التي في طرفِها حورٌ
ما عُدنَ يقتُلنَ بعد اليومِ إنسانا
إنَّ العيونَ التي غَنّى جريرُ لها
ذاقَت من الظُّلمِ أشكالاً وألواناً
ما عُدنَ يَصرَعنَ ذا لُبٍّ فقد تَعبَتْ
أجفانُهنَّ وعانى الجفنُ ما عانى
جوعٌ يُساهرُها خوفٌ يُساورُها
قهرٌ يحاورُها وَالحزنُ قد بانا
فالكُلُّ عنها تعامى عندَ كُربَتِها
والكُلُّ أنكَرَ منها كُلَّ ما كانا
حتّى الذينَ بِها وَشَّوا قصائدَهُم
بالأَمسِ ... لم يَقرِضوها اليوم َ ألحاناً
😢 منقول