الثلاثاء، 13 سبتمبر 2016

( الروايات الأدبية .. دليل سياحي معتبر )

معلم سياحي مميز علمت به من رواية أدبية

د/ أحمد بن حامد الغامدي

ظهر نقاش وجدال أدبي قديم/جديد حول ظاهرة (أدب الرحلات) ليس فقط لتقييم مدى جودته الفنية ولكن ايضا لمدى درجة الواقعية في تتطابق الاعمال والروايات الادبية التي تدور حول مدينة أو دولة ما مع الحقيقة الجغرافية والتاريخية لتلك المدينة. صحيح أن (كتب الرحلات) يمكن الاعتماد عليها في التوثيق المعرفي للمعلومات الجغرافية والاجتماعية للمدن والدول (وإن كان بعض المؤرخين يشكك في أن الرحالة الايطالي الاشهر ماركو بولو قد سافر فعلا للصين بسبب وقوعه في أخطاء جغرافية شنيعة) إلا أن الأمر قد يختلف بشكل ملموس فيما يتعلق بالإنتاج الادبي الرفيع للروايات الادبية والفنية التي تدور أحداثها في مدن أو مواقع جغرافية محددة. فكما هو معروف فإن الروائي والاديب المحترف يمزج الحقيقة بالخيال لدرجة أنه يصبح القانون الأدبي السائر أن (لا يقلد الروائي المدينة بل يعيد بنائها).

 وبالرغم من أن الأعمال الروائية الخالدة قائمة على تقديم صور منعكسة للحياة الاجتماعية والنفسية لشخصيات الرواية إلا أن للموقع الجغرافي والمكاني أثره وثقله الملموس. ولهذا نجد أن عددا كبيرا من الروايات الادبية من روائع الادب العالمي ليس فقط تقع أحداثها في مدن مشهورة (يقال إن مدينة لندن هي محور أحداث أكثر من 500 رواية أدبية) ولكن ايضا العديد من تلك الروايات تحمل عناوينها اسماء تلك المدن. فمثلا للروائي المصري العالمي نجيب محفوظ نجد له رواية (القاهرة الجديدة) بينما أحد أشهر مسرحيات شكسبير هي تحفة (تاجر البندقية) وأهم الروايات الانجليزية على الاطلاق هي (قصة مدينتين) لندن وباريس للأديب البريطاني المعروف تشارلز ديكنز وأحد أبرز روايات الاديب الفرنسي جون فيرن هي قصة (باريس في القرن العشرين).

 الجدير بالذكر أنه حتى اسماء بعض المدن العربية تم تخليدها في روايات عالمية مشهورة لكتاب غربيين بارزين مثل رواية (موعد في بغداد) لروائية الانجليزية أجاثا كريستي والرواية المميزة في الأدب الامريكي (شرق عدن) للكاتب جون شتاينبك الحاصل على جائزة نوبل في الادب ومن الروايات الادبية العالمية المرموقة رواية (الطريق إلى بئر السبع) للروائية الانجليزية إيثيل مانين وتدور عن نكبة 1948 الفلسطينية وكذلك رواية (رباعية الإسكندرية) للأديب الإنجليزي لورانس داريل. وكما اتضح من سرد اسماء بعض الروايات العالمية التي حملت اسماء مدن إلا أن عدد تلك الروايات محدود نسبيا وهو مما يشير أنها ظاهرة ليست شائعة في الادب الاوروبي والعالمي بينما في المقابل نجد هذه الظاهرة (طاغية ومستفحلة) في الاعمال الادبية العربية وبالذات الروايات السعودية حيث نجد أن بعض المدن تم وضع اسمها في عنوان أكثر من رواية أدبية وأشهر الامثلة لذلك:

الرواية المثيرة للجدل (بنات الرياض) للكاتبة رجاء الصايغ ومثلها رواية (الرياض نوفمبر 90) للكاتب سعد الدوسري بينما مدينة جدة موجودة في الرواية التاريخية البديعة والمميزة (فتنة جدة) للكاتب المفاجأة مقبول العلوي ورواية (سور جدة) للكاتب  سعيد الوهابي. وعلى نفس النسق لمدينة دمشق رويتين هما (دمشق 67) للكاتب السوري خليل النعيمي ورواية (دمشق يا بسمة الحزن) للكاتبة السورية ألفت الأدلبي والرقم اثنين كان كذلك من نصيب مدينة دبي والتي ظهر اسمها في عنوان رواية (ليلة واحدة في دبي) للكاتب هاني نقشبندي ورواية (ليالي دبي – شاي بالياسمين) للروائي السيد حافظ. بينما مدينة بيروت حظيت بثلاث روايات دفعة واحدة هي رواية (بيروت 75) لغادة السمان و(بيروت بيروت) لصنع الله ابراهيم وقصة (راوية بيروت) للكاتب إسكندر نجار.

 ومن الروايات الاخرى التي بشكل متكلف وغير احترافي حملت اسماء مدن معروفة نجد الروايات التالية : (لا يوجد مصور في عنيزة) ورواية (الحمام لا يطير في بريدة) ورواية (لا أحد ينام في الاسكندرية) والرواية السخيفة حتى ولو فازت بجائزة الرواية العربية (فرانكشتاين في بغداد) ورواية (ليالي دبي – شاي بالياسمين) ورواية (من الدمام إلى المكلا). وفي المقابل توجد روايات أخرى تم اقحام اسم المدن في عناوينها لكن بشيء من الحصافة الأدبية والتوظيف الفني من مثل روايات (عائد إلى حيفا) ورواية (صنعاء مدينة مفتوحة) ورواية (نجران تحت الصفر) ورواية (راوي قرطبة) ورواية (عذراء جاكرتا) ورواية (مدرس ظفار) ورواية (عمر يظهر في القدس) ورواية (شاهدت رام الله) ورواية (طائف الأنس) ورواية (عائد إلى حلب).

 الغريب جدا في شأن الكُتّاب والمؤلفون العرب أنهم ليس فقط (استهلكوا) اسماء المدن العربية بل العديد منهم استخدم حتى اسماء المدن الغربية والاوروبية لتأليف أعمال أدبية عن حال الجاليات العربية في المهجر وأرض الغربة وإن كان بعض هذه الرواية ذات جودة أدبية معقولة مثل رواية (شيكاغو) للكاتب المصري المتقلب علاء الاسواني والرواية البديعة (أمريكا) للكاتب اللبناني ربيع جابر وكذلك رواية (عناق عند جسر بروكلين) لعز الدين فشير ورواية (تحت سماء كوبنهاجن) للكاتبة العراقية حوراء النداوي والرواية شبة التاريخية (برلين 69) للكاتب المصري صنع الله ابراهيم وأخيرا الرواية الضعيفة (إنها لندن يا عزيزي) للكاتبة حنان الشيخ ورواية (يوميات موسكو الحمراء) للأديب اللبناني  نزار دندش بينما رواية (ثورة في ميلانو) للكاتب السوري الشبلي لا علاقة لها بميلانو ولا حتى ايطاليا فأحداثها تقع في مدينة حلب السورية.

 في رحاب المدن عبر صفحات الروايات

وكما ذكرت من وجهة نظري الشخصية أن بعض الروايات توظيفها سطحي وبسيط لاستخدام اسماء المدن في عناوين هذه الروايات بينما في المقابل تعتبر (المدينة) ذات بعد محوري طاغي في روايات وأعمال ادبية أخرى. لدرجة أنني اثناء ترتيبي لزيارة مدينة روما استعنت كثيرا برواية (ملائكة وشياطين) للروائي الامريكي البارز دان براون والذي يكثر من إعطاء المعلومات التاريخية والسياحية الشيقة عن المدن التي تكون محور رواياته مثل مدينة باريس في رواية (شفرة دافنشي) ومدينة واشنطن في رواية (الرمز المفقود) أو مدينة فلورنسا في رواية (الجحيم) ومدينة برشلونة في رواية (الأصل). وأثناء زيارتي لمدينة سمرقند في جمهورية أوزبكستان لم أتردد على الإطلاق عن أخذ رواية (قمر على سمرقند) للروائي المصري محمد المنسي قنديل لأنها ناقشت بإسهاب أهم المعالم التاريخية والأثرية في هذه المدينة الساحرة بالإضافة لمدينة بخارى. وحتى تفهم التنوعات الاثنية والدينية والسياسية للأحياء ومناطق مدينة بيروت فإن رواية (المبرومة) لأديب اللبناني العبقري ربيع جابر سوف تكون خيارا مناسبا لأن أحداث هذه الرواية (بالإضافة لرواية بيروت بيروت للكاتب المصري صنع الله إبراهيم ) تدور عن الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات الميلادية. وفي المقابل ومن باب المداعبة فقط فإني لا أنصح باصطحاب رواية (إحدى عشرة دقيقة) للروائي البرازيلي البارز لمن يرعب في زيارة مدينة جنيف أو رواية (الخبز الحافي) للكاتب المغربي الغريب محمد شكري لزائر مدينة طنجة لأنهما بكل شناعة يدلاننا على مواقع الخنا القديمة في هذه المدينة السياحية.

 سبب طوفان أسماء هذه الروايات الأدبية العربية والعالمية التي تواردت لذهني ونشطت حماسة الاستقراء لها هو تذكري للروايات الشيقة والمثيرة للروائي الأمريكي والواسع الانتشار (دان بروان) والذي لم يغب عن بالي إطلاقا أثناء رحلتي الأخيرة لمدينة إسطنبول. لقد كانت أول مرة زرت فيها مدينة إسطنبول في عام 2008م وذلك برفقة الأسرة وبالرغم من ازدحام جدول الرحلة التركية إلا أننا زرنا أماكن أثرية وتاريخية متعددة في تلك المدينة الساحرة. في تلك الزيارة وفي الزيارة القصيرة الثانية لإسطنبول لم أحرص كثيرا على زيارة موضع أثري بيزنطي معروف يسمي (القصر الغارق) لسذاجتي السياحية والمعرفية بأهميته وتميزه. لكن الأمر تغير تماما عندما قرأت صيف 1013م الرواية الممتعة والحابسة للأنفاس (الجحيم) للكاتب دان براون السالف الذكر.

 

علي كل حال رواية (الجحيم) الجديدة من أهم مواضيع الحبكة التشويقية لها هو موضع (القصر الغارق) في إسطنبول وهو في الأصل أشبه بصهريج أو خزان للمياه لمدينة القسطنطينية القديمة وكانت الفكرة المحورية لرواية (الجحيم) أن البشرية أمامها تحدي خطير يتمثل في العدد الهائل للجنس البشري. ولهذا يقوم عالم شرير باختراع فيروس قاتل يقضي على البشرية بشكل جزئي مما يعيد التوازن لكوكب الأرض. وقد كانت نقطة انطلاق و(إطلاق) هذا الفيروس عبر تسميم المياه في هذا (القصر الغارق) وبالتالي يتسمم أهل إسطنبول ومن ثم ينتقل الوباء الرهيب إلى بقية البشر.

الأمر المميز من الناحية التاريخية وكذلك من الناحية السياحية للقصر الغارق أنه يحتوي على عمود فريد يقع على رأس ميدوسا المقلوب. ورأس ميدوسا في الأساطير اليونانية يحمل دلالة على الموت والفناء وهي شخصية مشهورة لامرأه لها شعر من الثعابين وتقتل في الحال من ينظر إليها وتحيله إلى حجارة وكون رأس ميدوسا موضوع (بالمقلوب) دلالة إضافية إلى دورها الشنيع في الشر والتسبب في قلب حياة البشر رأسا على عقب.

وبعد قراءتي لرواية (الجحيم) ودور الموقع الأثري والسياحي (للقصر الغارق) ندمت جدا جدا بأنني لم أزر هذا الموقع المميز ولهذا كان على رأس جدول زيارتي الجديدة في عام 2015م لمدينة إسطنبول الساحرة النظر المباشر لعيني السيدة الحجرية (ميدوسا) وهذا ما كان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق