كم من أنثى تسببت في مشاك قبلية
د/ أحمد بن حامد الغامدي
في عام 2002 أصدر القاص والأديب
السعودي أبراهيم شحبي رواية (أنثى تشطر القبيلة) وهي رواية وإن كانت ضعيفة الجودة
الفنية إلا أنها حظيت بصدى أعلامي مسموع بسبب أنها (كالعادة) وجهت نقد حادا
للأعراف الاجتماعية والعادات القبلية ولهذا احتفت وهللت لها شرائح من المجتمع
الفكري والادبي المحلي كما احتفت بعد ذلك بثلاث سنوات فقط برواية (بنات الرياض)
لرجاء الصانع لا لشيء إلا لأنها كانت عمل أدبي مكتوب بأنامل نسائية ويتعرض لمنطقة
محذور كشفها اجتماعيا وهي عالم المرأة العاشقة خارج نطاق العلاقة الزوجية.
وما أشبه الليلة بالبارحة فبعد عاصفة
الرياض ضج المجتمع المحلي المحافظ قبل يومين بجرأة نسائية لسيدة سعودية أخرى (تشطر
القبيلة) إلا وهي الشاعرة هند المطيري التي فاجأت جمهور معرض جدة الدولي للكتاب
وهي تتلو قصيدة (ثورة الربيع القلبي) والتي اصبحت تشتهر باسمها المحوّر أي قصيدة
(ويح القبيلة) لورود هذا اللفظ بالذات خلال ثنايا قصيدتها الشعرية الصادمة. في واقع الحال بينما كانت الشاعرة هند
في تلك الامسية الشعرية (تغرد خارج السرب) بقراءتها لقصيدتها الجارحة للمجتمع
والثائرة عليه والمنتقصة له بسبب نجد في الرواية الاصلية (أنثى تشطر القبيلة) أن
بطلة الرواية هي شابه ساذجة ومتهورة تدعى (تغريد) كانت هي الأخرى تغرد خارج السرب
عندما أصرت بعناد أن تتزوج رجل من خارج إطار قبيلتها وبهذا تسبت في (شطر القبيلة)
حيث تعرض والدها (شاهر) للإقصاء والمقاطعة من قبل ابناء قبيلته.
مأساة بطلة الرواية (تغريد) ليس فقط أنها شخصية غريبة الاطوار ومتمردة ومتهورة وأنها سوف تتسبب لاحقا في سجن وتشريد وجنون وأخيرا وفاة زوجها المنكوب (مولود) ولكنها في نهاية الرواية تتعرض لحالة اختلال ذهني يدفع بها أن تهرب من بيت زوجها الثاني وتترك طفليها لتتشرد في شوارع مدينة الطائف مسببة ألم إضافي قاتل لوالدتها وجنون أخوها الذي اصبح يهيم في الشوارع من جراء العار الاجتماعي الذي تسببت فيه قريبته (فاعتبروا يا أولي الابصار). بقي أن نقول أن أحد المؤثرات الرئيسية في الحبكة الدرامية للرواية شخصية خبيثة تدعى (شهوان) وهو الذي رتب وهندس لهذا الزواج الكارثي بين تغريد ومولود مما اثار حفيظة المجتمع القبيلة وتسبب في تشظيها وانشطارها. وهنا هل يحق لنا أن نتسأل عن مدى حقيقة وجود مثل هذه الشخصيات (الشهوانية) التي تغرر ببناتنا (الغافلات) وتزين لهن دروب التمرد وتشجعهن على الصدام والانفصام عن المجتمع الراعي والمحافظ.
على كل حال قديما قيل (الطريق إلى
الهاوية مفروش بالنوايا الحسنة) ولعل الشاعرة هند المطيري أرادت أن تنتقد ظاهرة
اجتماعية سلبية في بيئتنا المحلية تتعلق بقضية العنصرية القبيلة في التمييز
العنصري ضد شرائح من المجتمع والمؤثر علي عدم قبول المجتمع لحالات الزواج بين
طبقات اجتماعية مختلفة. وهذا ما صرحت بها الشاعرة نفسها حيث ذكرت بأن ما حفزها
لتأليف قصيدتها هي حادثة قضية الحكم بالطلاق المشهورة والتفريق بين زوجين بسبب عدم
تكافأ النسب بالرغم من اعتراض الزوجين عن حالة التفريق. المشكلة هنا أن طريقة الطرح وتناول
هذا الموضوع الشائك بصورة تصادمية هي التي تسببت في احتقان الموقف الثقافي
والاجتماعي فالتهجم على القبيلة بعبرات من مثل (ويح القبيلة) واحتواء القصيدة ايحاءات
نقدية صادمة للأعراف والتقاليد بل وحتى القواعد السلوكية الدينية كل ذلك
أفرز نتيجة عكسية غاضبة ضد الشاعرة التي عالجت خطأ لمشكلة اجتماعيه بخطأ إصلاحي
منفر لمن أردنا تعديل سلوكه ولهذا حق للجميع أن يعترض قائلا (ما هكذا تورد يا هند
الأبل).
نفس النسق السردي ونفس ردة الفعل
الاجتماعي حصلت مع روائيات وأديبات سعوديات أخريات حاولن طرح نقد تصحيحي لمشكلة
العنصرية الاجتماعية في اعمال روائية أدبية مثيرة للجدل. فمثلا الروائية رجاء
الصانع ناقشت نفس الموضوع في رواية (بنات الرياض) فنجد إحدى الشخصيات المحورية
للرواية هي الفتاة (مشاعل) التي لم تتمكن من الزواج من الشاب فيصل الذي تحبه بسبب
معارضة أسرته الشديدة لأن تلك الفتاة ميشيل/مشاعل أمها أمريكية وليست سعودية. أما في رواية (جاهلية) فتناقش
الروائية السعودية ليلى الجهني العنصرية الاجتماعية من منظور مختلف حيث عدم
التكافؤ في النسب يرجع هنا أن بطلة الرواية (لين) فتاة بيضاء اللون بينما حبيبها
(مالك) شخص أسود البشرة وغير سعودي اصلا. والحق يقال أنه نتيجة للطرح الروائي
(المتأدب) والمتزن لرواية جاهلية لم ينتقد أحد طرح المرأة السعودية لمثل هذا النوع
من الحبكات الدرامية لكن الاشكال دائما يتولد من الاعتراض الاسلوب وليس المحتوى.
وختاما تجدر الاشارة أن طريق الشهرة
جذاب ومغري للجميع نساءً ورجالاً وفي حالة النساء قد يكون الطريق الوحيد المتاح
لتحقيق بهرج الشهرة هو أن تلج المرأة من باب الادب والفن وهذا ما يجعل البعض منهن
كحال الفراشات التي يتهافتن على نار وضوء السراج الوهاج. ومصداق ذلك أنه عبر
التاريخ العربي القديم والحديث لم يشتهر من النساء (بعد صدر الاسلام) إلا من كان
لها نوع ارتباط بالأدب والشعر. ومن المحزن حقا أنه بسبب الطغيان الذكوري المفرط في
المجتمع العربي لم نعد نعرف الا اسماء نسائية محدودة يتم ذكرها في كتب التاريخ.
فبعد أن كنا نعرف قائمة طويلة من اسماء زوجات ونساء الرسول الكريم وكبار الصحابيات
كام عمارة وأم هانئ وأم أيمن وأم سليم اصبح التاريخ العربي شبه خاوي من اسماء
النساء المعروفات إلا لشخصيات محدودة مثل رابعة العدوية أو شجرة الدر أو الخيزران
أم هارون الرشيد وزبيدة زوجته أو حتى غزالة الشيبانية التي فر الحجاج من مواجهتها
في الحرب.
أما المجال الوحيد الذي شهد اسماء
نسائية عربية متنوعة فهو مجال الادب والشعر ولكن للأسف مرة اخرى نجد أن شهرة
النساء هنا ليست نابعة من قدراتهن الذاتية ولكن شهرتهن اتكأت على (الظروف
والملابسات) التي أحاطت بحياتهن. ففي مجال الشعر لم يشتهر من شعراء النساء إلا شعر
الرثاء بسبب أن العاطفة الصادقة كان لها تأثير كبير في ضمان تحقيق قوة الاداء
الفني كما نجده في رثاء الشاعرة العربية ليلى بنت طريف لأخيها الوليد أو شعر رثاء
فاطمة الخزاعية لزوجها الجراح أو تعبير الشاعرة المعاصرة عائشة التيمورية عن
فجيعتها بوفاة ابنتها الفقيدة توحيده بينما برعت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في
التفجع علي فقد الاوطان.
أما خارج نطاق الرثاء فلم تشتهر من
الشاعرات والاديبات العربيات إلا من كانت منهن تمتلك جرأة عالية في تحدي التقاليد
الاجتماعية حيث كان ذلك جواز السفر لحجز مقعد مؤكد في دنيا الشهرة والانتشار. ففي
العصر الأموي دخلت الشاعرة ليلى الاخيلية التاريخ من اوسع ابوابه ليس فقط لجدارة
اشعارها ولكن لأنها خالفت العرف السائد وقالت بعض اشعار الغزل في ابن عمها توبة بن
الحمير الذي كانت تحبه وعلى نفس النسق اشتهرت الشاعرة الاموية ليلى العامرية
بقولها الشعر في معشوقها الشاعر قيس بن الملوح الذي تسببت في جنونه.
أما الشاعرة الاندلسية ولادة بنت المستكفي فقد كانت من الجرأة في
كسر الاعراف الاجتماعية ليس فقط بمخالطتها للشعراء من خلال فتح قصرها كمنتدى أدبي
ولكن ايضا من تخطيطها المتعمد بأن يتنافس في حبها بشكل علني الشاعر ابن زيدون
والأمير ابن عبدوس.
وفي العصر الحديث اشتهرت الاديبة
اللبنانية مي زيادة بصالونها الاديب في مدينة القاهرة الذي كان يحضره عمالقة الادب
العربي في زمانها ويبدو أنها كانت شخصية متساهلة اجتماعيا ومتودده لضيوفها وزوارها
وإلا كيف نفسر أن يقع عدد كبير من مشاهير الادباء في غرامها في نفس الوقت من مثل
الشعراء جبران خليل جبران والرافعي والعقاد والريحاني وغيرهم كثير.
وبكل الصدق لو لم تكن الشاعرة العراقية
نازك الملائكة قد اشتهر عنها انها كانت قبل أكثر من نصف قرن أول من نظم قصيدة شعر
الحداثة والشعر الحر المثير للجدل هل كانت سوف تحظى باهتمام وتبجيل سماسرة ودجاجلة
الادب والثقافة فكما كان الخروج عن المألوف الاجتماعي سبب شهرة مي زيادة فكذلك
الخروج عن المألوف الادبي سبب شهرة الشاعرة ذات الاسم الرقيق نازك.
وقبل أن نغادر نصيحة أخيرة لبناتنا
وأخواتنا الفاضلات بأن لا ينخدعن بكل مغرر بهن يخدعهن بمعسول الكلام وكاذب الاوهام
من مثل أنهن مناضلات ورائدات وأن الواحدة منهن سوف يسطر لها التاريخ أنها كانت
شامخة (وشيماء) عندما كانت تناضل في إصلاح مجتمعها. والنصيحة والتحذير جاءت من
قديم على لسان امير الشعراء احمد شوقي إذ يقول:
خدعوها بقولهم (شيماء) ولغواني يغرهن الثناءُ
فاتقوا الله في قلوب العذارى
فالعذارى
قلوبهن خواءُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق